المصطفى قصاب
الحياة في الجارة الشرقية لا تطاق، رغم الأبواق المسخرة التي تغطي الشمس بالغربال وتصدر جميع أزماتها إلى المغرب وتغطية فشل العسكر في تسيير الشأن العام، وخلق عدو وهمي لتخدير الشعب الجزائري، والدفع به إلى الحقد على المغرب إن تصريحات المعارضة حول الوضع الجزائري المتأزم تتكرر ويبدو أن منذ رحيل
الرئيس هواري بومدين والجزائر تفتقد أي شكل من أشكال التنمية الوطنية المستدامة والمنهج الذي بمقتضاه يمكن إنجازها، وجراء ذلك بقيت البلاد تدور حول غابة التخلف كما يقول المثل الإنكليزي. وأدى هذا كله إلى عدم الكشف عن البؤرة التي تفرز أزمتها المركبة اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً وتنظيماً اجتماعياً وفاعلية سياسية كمرحلة أولى ثم تليها مرحلة التصدي لها بقوة.
إن خلفيات سياسية وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأمر الذي يفهم ببساطة أن جهاز الرئاسة، الذي يعتبر أعلى سلطة في البلاد، يتجاهل أولئك الذين يخلقون مشكلة ندرة المواد الغذائية لغرض في نفس يعقوب، ولا يتحكم في الوضع السياسي وتناقضاته وصراعاته التي تحدث في السرَ غالباً، ومن الواضح أن عدم تحديد الجهات والأشخاص المسؤولين عن المضاربة يعني أن المشكلة ستستمر، لأن المستفيد الأكبر هو العسكر والرئيس المعين لهذا
الغرض ولا يستطيع قول كلمة الحق أو اتخاذ أي إجراء بدون ترخيص من ولي النعمة.
لأن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين والتنمية يرجع حقيقة إلى مجرد التجاذبات السياسية بين الأجنحة في أعلى هرم الدولة.
دفعت هذه الأوضاع الداخلية المزرية التي يعيشها الشعب الجزائري، إلى الاقبال الكبير على بعض المواد الغذائية رديئة الجودة منها مادة البطاطا.
بسبب ندرتها وعدم قدرة النظام العسكري على توفيرها لمواطنيه، في الوقت الذي يدعي فيه عبد المجيد تبون أن بلاده” قوة ضاربة” في المنطقة.
وحسب متتبعين، فقد وصل ثمن هذه المادة الرديئة لـ 70 دينار جزائري في ظل ارتفاع الأسعار بالجزائر، حيث عبر العديد من المواطنين عن استنكارهم للأمر وللظروف الصعبة التي تتخبط فيها بلاد الجنرالات ويأتي هذا، بعدما دفع هذا الوضع المواطنين إلى اقتحام حقول البطاطس وسرقة محصولها بسبب تداعيات ندرة وغلاء هذه المادة الأساسية بالأسواق الجزائرية.
وفي هذا الخصوص يجمع المراقبون السياسيون المحايدون على أن السبب الحقيقي لهذه المشكلة والمشاكل الأخرى المجاورة لها، والتي تصيبها بالعدوى، يتمثل في العمق في عوامل عدة في مقدمها عدم النضج السياسي، وعقم الأحزاب،
وتفريغ المجتمع المدني من طاقته الروحية والإبداعية وتحويله جزءاً من اللعبة السياسية المفلسة، واستهلاك الطاقات الوطنية في معارك تستهدف أصلاً تحويل هويَات إلى لغم قابل للتفجير في أي لحظة، وتكريس اعتماد الاقتصاد الوطني الجزائري على بعد واحد معزول وهو ريع النفط وتنميط سلوك استيراد كل شيء من الخارج بالعملة الصعبة.
“إن الجزائر بلد مبتعد عن العالم وأدار ظهره إليه، أوضاعه يكتنفها غموض كثيف إلى درجة أنه مخدَّر. لقد أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب منذ فترة طويلة، بينما لم تعمد إلى إعادة فتح المعابر مع تونس إلا مؤخرا، بعد أكثر من عامين، أنه بلد يبقي التجارة مع دول الجوار عند أدنى حد، مخفيا سلطاته السياسية، وأن الجزائر تظل بلدا منغلقا يخاف من ماضيه، كما أن رعب وهواجس
المستقبل تسكنها.
إن المؤسسة السياسية العسكرية التي تدير دفة الحكم بالجزائر متصلبة ومتسلطة، وأوضاع الطغمة العسكرية التي تجعل من مجالات اقتصادية أو ترفيهية، من قبيل السياحة والاستثمار الأجنبي، وكذلك المسارح أو دور السينما أو المكتبات، شيئا مشبوه.
إنها أرض الغياب، ذات الإمكانات الهائلة المحرومة. إنها دولة لا تثق
بالأجانب، كما لو أنها كانت لا تزال في حالة حرب، وأن الوضع ينطبق على البلاد بأكملها، لأنها “أشاحت بوجهها عن محيطها الإقليمي واختارت العزلة عن العالم.
من الملاحظ أن تشخيص السياسيين الجزائريين الموجودين في سدة الحكم أسباب تفاقم أزمة التنمية الجزائرية منذ عام 1978 حتى الآن غير صحيح لأن هؤلاء قد تعودوا على إنتاج ثم إعادة إنتاج ثقافة تسيير الأزمات وارتجال التصورات المتسرعة غير المؤسسة على التحليل الدقيق الذي يعتمد على النظرية العلمية والدراسة الميدانية للمشكلات الأساسية وللعوامل التي
تخنق التنمية بكل أبنيتها التحتية والفوقية.
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=9079