ذ.يوسف خوادر…..
في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي يشهدها المغرب، تبرز الحاجة الماسة إلى تحديث المنظومة القانونية والقضائية لمواكبة العصر وتلبية تطلعات المواطنين في تحقيق العدالة والإنصاف. يأتي مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد كخطوة طموحة ضمن سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تبسيط وتسريع الإجراءات القضائية، وتعزيز الشفافية والنزاهة في النظام القضائي المغربي.
مشروع قانون المسطرة المدنية يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الهامة. أولاً، يسعى إلى تحديث الإطار القانوني لجعله أكثر انسجامًا مع المتغيرات الحديثة والمتطلبات الدولية. هذا التحديث يعتبر خطوة ضرورية لجعل النظام القضائي أكثر فعالية وكفاءة في التعامل مع النزاعات القضائية. ثانياً، يهدف المشروع إلى تسريع إجراءات التقاضي وتبسيطها، مما يساعد في تقليل الفترات الزمنية الطويلة التي تُثقل كاهل المتقاضين وتعطل مصالحهم. باستخدام التكنولوجيا الحديثة، يمكن تحسين كفاءة العملية القضائية وجعلها أكثر شفافية ونزاهة.
يعد ضمان حقوق الدفاع وتحقيق التوازن بين الأطراف المتنازعة أحد الأهداف الرئيسية للمشروع، مما يعزز من مبدأ المساواة أمام القانون. ينص الدستور المغربي على أن جميع المواطنين سواسية أمام القانون، ويكفل حق كل فرد في محاكمة عادلة ومستقلة ونزيهة. إذا تم تنفيذ مشروع قانون المسطرة المدنية بشكل صحيح، فإنه سيعزز من هذا الحق الدستوري من خلال ضمان محاكمات عادلة وسريعة.
من النقاط الإيجابية التي يسعى المشروع إلى تحقيقها هو تسهيل الوصول إلى العدالة. ينص الدستور المغربي على ضرورة تقريب القضاء من المواطنين وتيسير الولوج إلى العدالة. يسعى المشروع إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تبسيط الإجراءات القضائية وتطوير الخدمات الإلكترونية التي تسهل على المواطنين تقديم دعاواهم ومتابعة قضاياهم بشكل أسهل وأسرع.
على الرغم من الطموحات الكبيرة التي يحملها مشروع قانون المسطرة المدنية، إلا أنه يواجه تحديات جدية تتطلب معالجة حقيقية. من بين هذه التحديات، يأتي التنفيذ الفعلي للإصلاحات. تاريخياً، العديد من القوانين في المغرب واجهت مشكلات في التنفيذ بسبب غياب الإرادة السياسية أو ضعف البنية التحتية. لضمان نجاح هذا المشروع، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية قوية وبنية تحتية قضائية ملائمة.
تدريب القضاة والمحامين وتوعية المواطنين بحقوقهم يعد من الأمور الأساسية لضمان نجاح هذا المشروع. برامج تدريبية شاملة وحملات توعية للمواطنين حول حقوقهم وواجباتهم وكيفية استخدام النظام القضائي الجديد تعتبر ضرورية لتعزيز فعالية هذه الإصلاحات.
تطوير البنية التحتية التقنية للمحاكم يمثل تحدياً كبيراً آخر. يجب أن يكون هناك استثمار كبير في تطوير التكنولوجيا وضمان أمن البيانات وحماية الخصوصية في النظام الإلكتروني. هذا التطوير سيساهم في تعزيز الثقة في النظام القضائي وجعله أكثر شفافية ونزاهة.
في الختام، يمثل مشروع قانون المسطرة المدنية المغربي خطوة هامة نحو تحديث النظام القضائي وتحقيق العدالة الناجزة. إذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل صحيح، فإنها ستعزز من مبادئ الدستور المغربي وتحقق أهدافه في سيادة القانون والمساواة أمام القانون والحق في المحاكمة العادلة والوصول إلى العدالة والشفافية والنزاهة. التحدي الأكبر يبقى في التنفيذ الفعلي وضمان تحقيق الأهداف المرجوة على أرض الواقع. العدالة ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي تجربة معيشة يجب أن يشعر بها كل مواطن في حياته اليومية.
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=30809