لا بد أن ننوه في البداية بالمجهودات الجبارة التي يبذلها أعضاء الهيئة المحترمة المكلفة من قبل جلالة الملك بمراجعة مدونة الأسرة، وهم يستمعون إلى كل مكونات الشعب المغربي المهتمة بهذا الموضوع الحيوي والشائك في نفس الآن، داعين الله تعالى أن يعينكم ويوفقكم لما يحبه ويرضاه.
ولا بد كذلك أن ننوه بالمجهودت القيمة التي بُذلت في مدونة الأسرة الحالية، إذْ لا يُجادل إلاَّ جاحدٌ أو ناكر في أن المدونة الصادرة سنة 2004 تعتبر قفزة نوعية في مجال تعزيز الحقوق الإنسانية وبناء مجتمع ديمقراطي حديث منفتحٍ على القيم الكونية ومتشبثٍ في ذات الوقت بِقِيَمِهِ الدينية والثقافية؛ إذْ كان الهدف من سَنِّ هذا القانون هو رفع الحيف عن النساء وصيانةُ كرامة الرجال وحمايةُ حقوق الأطفال ومسايرةُ تحولاتِ واقع المجتمع والأسرة المغربية، سعياً وراء إقامة بُنيان مرصوص يضمن الحقوق والواجبات على كل أفراد الأسرة ويُقر مبدأ عدالة المجتمع.
إلا أنه رغم نصوص هذه المدونة المتقدمة، فهنالك بعض الاختلالات التي ظهرت أثناء تنزيلها على أرض الواقع، والتي لا تُنْقِصُ من قيمتها شيئاً، لأن كل كلامٍ قابلٌ للأخذ والرد كما قال الإمام مالك نفسه: (كلُّ أَحَد يُؤْخَذ من كلامه وَيُرَد، إلا صاحب هذا القبر)… والأخذ والرد في هذا الشأن يكون في المسائل الفقهية الاجتهادية، دون المسائل العَقَدِيَة التي هي من المسلمات التي لا تقبل نقاشاً ولا اجتهاداً.
وقال الإمام مالك أيضاً: (إنما أنا بشر أُخطئ وأُصيب، فانظروا إلى رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يُوافق الكتاب والسنة فاتركوه)…
10 /1
وفي هذا السياق جاءت الفقرة التالية من خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، عندما قال أعزه الله بخصوص تعديل مدونة الأسرة: (وبصفتي أميرَ المؤمنين، وكما قُلْتُ في خطابِ تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أُحِلَّ ما حرم الله ولن أُحَرِّمَ ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، ومن هنا نَحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعّاليات المعنية.).
– – – – – – – – – – – – –
لقد قطعت القوانين المتعلقة بالأسرة في بلادنا مراحل هامة، لا بأس من أن نُذَكِّرَ بها اختصاراً: فمن مدونة الأحوال الشخصية مع بداية استقلال المملكة، إلى التعديلات التي طرأت عليها في بداية التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، إلى مدونة الأسرة الراهنة في بداية القرن الحالي، إلى التعديلات التي ستقترحها هيئتُكم الموقرة؛ وهو الأمر الذي يُؤكد على دينامية الموضوع وأهميته بالنسبة للمغرب والمغاربة…
وخلال هاته المراحل السابقة كُلِّهَا ظل المغرب دائماً أبداً متشبثاً بقيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه وتشريعاته في كل ما يتعلق بشؤون الأسرة، وهو ما ينتظره المغاربة كذلك من النتائج التي سَتُسْفِرُ عنها أشغالُ ومشاورات هذه الهيئة المحترمة…
وتأسيساً على ذلك علينا أن نتساءل: ماذا نريد من التعديلات المنتظرة وما هي الأهداف المتوخاة منها؟؟
هل نريد مدونة بناءً على مرجعيات إسلامية، أم نريد مدونة مدنية صِرفة؟؟
إننا نؤمن بأن مدونة الأسرة المغربية ليست نَصّاً قانونياً اجتماعياً فحسب، شَأْنَ الكثير من القوانين الأخرى، بل هي تُجَسِّدُ تشريعاً متميزاً مرتبطاً بمرجعيتنا الإسلامية أولاً وأخيراً؛ ومن المؤكد أن دور جلالة الملك باعتباره أميراً للمؤمنين هو دور محوريٌ أساسي وحيوي في هذا المجال.
10 /2
يتبع
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=21009