رحاب حنان – صحافية
عرض السيد حميد المهداوي في معرض سجالاته مع السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عبر قناته الشخصية في اليوتيوب، لتدوينتين نشرتهما في سياق النقاش الدائر سواء بين الصحافيات والصحافيين، أو على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص المحتويات الرقمية التي تتوسل بالإثارة الرخيصة والتشهير وتبادل السباب.
إن انتشار مثل هذه المحتويات الطافحة بمشاهد للعنف، أو التهديد، أو التدخل في الحياة الخاصة للأفراد، أو الداعية للكراهية والتمييز، أو الناشرة لأخبار زائفة أو مضللة، أو غيرها مما هو مناف للأخلاق والقوانين، ويستهدف الحقوق والحريات الفردية والجماعية، يطرح أسئلة مرتبطة بالتوازن المطلوب بين حماية حرية الرأي والتعبير بكل وسائله، بما فيه التدوين، وبين محاصرة كل المحتويات التي تسبب أضرارا للأفراد والمجتمع معا.
فلقد تصاعدت وتيرة المتابعات القضائية في حق مجموعة ممن يسمون بالمؤثرين/ات الذين كانوا يروجون لمواد فيها إخلال بالحياء العلني، وفيها اعتراف صريح بارتكاب أفعال مجرمة قانونيا، وفيها تبادل للسب والتهديد، وفيها شبهات الابتزاز، وهي المتابعات التي استحسنتها الغالبية حسبما يرشح من تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أن بعض المدونين الذين يكتبون غالبا في قضايا لها علاقة بالسياسة، تمت كذلك متابعتهم أو استدعاؤهم للتحقيق، بما قدرت النيابة العامة أن ما دونوه يقع تحت طائلة الجرائم الإلكترونية، وإن كان عددهم يقل عن الفئة الأولى، وإن كان ثمة تباين في الرؤى حول ضرورة فتح ملفات قضائية لهم، بين داع لاستحضار مبدأ حسن النية، وبين آخر يعتبر أن القانون يجب احترامه بغض النظر عن تعاطفنا مع المتابعين، وبين قائل بأن التدوين يجب أن تكون المتابعة بسببه بمقتضى قانون الصحافة والنشر، وبين من لا يعتبر التدوين مشمولا بذلك القانون مادام وضع في الأساس لتنظيم عمل الصحافيين المهنيين، وما تنشره المنابر الإعلامية القانونية، كما تتباين الرؤى حول مضمون هذه التدوينات بين من يعتبرون حرية التعبير يجب أن تكون مطلقة ما دامت لم تدع للعنف، حتى وإن خالفت ما يجرمه القانون، أو تضمنت تشكيكا بخلفية سياسية أو إيديولوجية في عمل المؤسسات، أو كان بها ما يخالف الثوابت الوطنية والمبادئ الدستورية، وبين ما يؤمنون بأن حرية التعبير يجب أن تحدها المصلحة الوطنية الفضلى، وأن لا تمس بمشاعر العموم الدينية والوطنية والأخلاقية، وأن من حق الدولة أن تحفظ هيبة مؤسساتها وكرامة موظفيها، خصوصا في عالم يتم فيه استهداف السيادة الوطنية بأدوات ناعمة، ويتم فيه توظيف ورقة حقوق الإنسان للابتزاز.
لقد كان هذا هو سياق ما كتبته حول ضرورة فتح نقاش عقلاني ومنتج، للإجابة عن الإشكاليات التي تطرحها وسائط التواصل الاجتماعي، في علاقة بحماية حرية التعبير من جهة، وحماية الأفراد والمجتمع من آفات التشهير والوصم والابتزاز، والتطبيع مع الإخلال العلني بالحياء العام، ومحاصرة المحتويات الضارة بالتربية، وخصوصا الموجهة للقاصرين/ات.
ولم يكن لذلك أي علاقة بالدعوى التي رفعها السيد وزير العدل في حق السيد حميد المهداوي، ولا أي انتصار لطرف على آخر، كما توهم الزميل المهداوي، كما لم يكن استحضار ما قاله وزير العدل في مجلس النواب أي علاقة بالسجال القائم بينهما.
ولقد اعتبر الزميل المهداوي أن دفاعي في بعض القضايا عن مواقف لوزير العدل، كما مع توجهات لوزارة الداخلية متناقضا مع موقعي السياسي عضوا في حزب معارض للحكومة، وهو أمر بالغ الغرابة، إذ ينطلق من نظرة سياسوية ضيقة، تجعل من هو خارج الأغلبية الحكومية ملزما بالمعارضة المطلقة لقوانين وضعتها الحكومة، او لسياسات شرعت في تنفيذها، حتى ولو كانت مما كانت تطالب به هذه المعارضة نفسها.
لقد عارضت السيد وهبي مرارا وتكرارا، وبلغة حادة، ويمكن للسيد المهداوي أن يعود لما كتبته وصرحت به إبان أزمة امتحان ولوج مهنة المحاماة، أو بعد تصريحه الشهير بخصوص معرفته بألوان “تقاشر” المواطنين، كما سبق أن عارضت قرارات لوزارة الداخلية في محطات كثيرة.
ولذلك فحين نوهت بموقف وهبي فيما يخص دفاعه عن الحريات الفردية، او فيما يخص انحيازه لمطالب الحركة النسائية علاقة بالنقاش حول مدونة الأسرة، أو مقترحاته بخصوص تقييد الاعتقال الاحتياطي، او العقوبات البديلة.
وحين أنوه كذلك بتوجهات وزارة الداخلية لمواجهة الفساد في المؤسسات المنتخبة، عبر تفعيل عمل المفتشية العامة للوزارة، وعبر الدعاوى التي رفعتها في حق مجموعة من رؤساء الجماعة ورؤساء اللجن بها المتورطين في شبهات الفساد وهدر المال العام.
فإن كل هذا ينسجم مع قناعاتي المعلنة في الدفاع عن الحريات الفردية وحقوق النساء ومناهضة الفساد، فهل السيد حميد المهداوي ضد هذه الإجراءات؟ او ضد النقاش الحر المبني على الأفكار وليس الأشخاص؟
وهل يمكن أن نعتبر إشادة حميد المهداوي بالسيد عبد الإله بنكيران بعد أن كال له ما شاء من التهم ومن الانتقادات القاسية تناقضا، وانتقالا من ضفة لأخرى؟
شخصيا، أحسن الظن، وأعتبر الأمر عاديا، إذ يمكن ان تتفق مع مسؤول حكومي أو حزبي في أمور وتختلف معه في أخرى.
المهم أن يكون منطق الاتفاق أو الاختلاف مما لا يجعلنا محل التناقض.
يؤاخذ علي السيد حميد المهداوي حديثي عن ضرورة مواجهة المحتويات التي تقوم على السب والتشهير واستهداف الحياة الخاصة، ويعتبر ذلك يدخل في مخطط لا يوجد إلا في مخيلته، أو على الأقل لا علم لي به، لتمرير قوانين في المستقبل مقيدة لحرية التعبير.
على أنه يقع في تناقض، حين يقر بأني كنت ضحية للتشهير، ثم يعيب علي أن أطرح هذا الموضوع للنقاش العمومي، وأن أفكر في تجويد المدونة القانونية بما يسمح بمحاصرة هذه الظاهرة.
وكيف يستقيم عقلا أن أكون ضحية للتشهير لسنوات وفي نفس الوقت جزء من مخطط لوضع قوانين تحاصر حرية الرأي والتعبير والتدوين؟
وهل يستقيم سياسيا وحقوقيا وإعلاميا أن نحمي حرية التعبير والرأي والتدوين بالتساهل مع جرائم التشهير والقذف والأخبار الكاذبة والإشاعات والابتزاز ؟
وكيف للسيد المهداوي أن يلجأ للقضاء وهذا حقه، فيما اعتبر أنها إساءات لحقته عبر فيديوهات مبثوثة في منصة اليوتيوب، والتي لا تكون المتابعة فيها إلا بأحكام القانون الجنائي، ثم يستنكر على غيره المطالبة بتجويد هذه القوانين نفسها بما يحمي حرية التعبير من جهة ويكون أكثر صرامة مع جرائم التشهير؟
إن السيد المهداوي الذي يعتبر إثارة قضايا الجرائم الإلكترونية من تشهير وابتزاز وتحريض وقذف ونشر الإشاعات، وترويج للأخبار المضللة والكاذبة، هو مقدمة لتحجيم حرية التعبير، هو نفسه الذي يشكو في أغلب فيديوهاته مما يعتبره قذفا في حقه، وترويجا للأكاذيب يستهدفه، وتشهير به .
فهل معنى هذا أن هذه القضايا حين يثيرها السيد المهداوي فهي فعلا جرائم تستحق المتابعة والفضح والتنبيه لخطورتها، ولكن حين يطرحها غيره تصبح مدخلا للتضييق على حرية الرأي والتعبير؟ اًًو مدخلا للتضييق عليه هو نفسه كما حاول ان يثبت في الفيديو المذكور أعلاه؟
كان على السيد المهداوي أن ينتقد لو شاء ما كتبته انطلاقا مما هو مكتوب فقط، لا أن يدخل في محاكمة النوايا، مع العلم انه لطالما اشتكى من هذا الأمر، أي حين يقرأ البعض خرجاته بنية سيئة، أو بأحكام مسبقة.
فأن يكون الوضع الذي وصلنا إليه في العالم الرقمي، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو منصات بث الفيديوهات من استفحال للتشهير وعرض محتويات مخلة بالحياء العلني، وترويج للقيم السلبية واللاأخلاقية، هو تطور طبيعي لأي ظاهرة جديدة تحمل معها الغث والسمين، أو كان بفعل فاعل كما يذهب إلى ذلك السيد المهداوي، فإن النتيجة واحدة: ظواهر خطيرة على قيم وأمن المجتمع والأفراد، تحتاج لمعالجة متعددة الأبعاد، قضائية وقانونية وتربوية وتوعوية.
مع العلم أن أي متابع موضوعي، لن يقنعه كثيرا طرح السيد المهداوي بأن التساهل مع تلك المحتويات، كان مخططا له، حتى يصبح محط إدانة مجتمعية، فيصبح الطلب على التشدد القانوني مطلوبا.
كان يمكن أن نقبل هذا التحليل، لو كان الامر ظاهرة مغربية، والحال أن هذا النقاش مطروح في كل دول العالم، بما فيها المتقدمة، وهو يعود إلى سرعة التحولات في العالم الرقمي التي لم تواكبها إجابات مناسبة.
وقد مارس السيد المهداوي ما أعتبره تحايلا إلى أن يثبت العكس، حين ادعى أني دعوت للعودة لمشروع القانون 00.20 الذي عرف بقانون “تكميم الأفواه”، والحال إني قلت فقط إنه لو طرح اليوم، فربما لن يلقى المعارضة نفسها التي لقيها قبل، بسبب استفحال الظواهر التي أشرنا له. ولم أطالب بعودة ذلك المشروع، بل طرحت أمرا آخر، تغاضى عنه السيد المهداوي.
لقد طالبت أولا بفتح نقاش عمومي هادئ ومنتج حول المواءمة بين حماية الرأي والتعبير، وبين محاصرة ما يسيئ لهما من ظواهر التشهير والقذف والأخبار المضللة والكاذبة.
ثم اقترحت التفكير في وضع مدونة خاصة للنشر الإلكتروني، مفصولة عن مدونة الصحافة والنشر – وليست هذه المرة الاولى التي اقترح فيها هذا الأمر- ، تجيب عن الإشكال السابق، متضمنة ما يحمي حرية الرأي والتي لا ينبغي أن تكون المتابعات فيها إذا كانت مرتبطة بقضايا سياسية أو فكرية في حالة السقوط في المحظور القانوني تتضمن عقوبات سالبة للحرية، ورادعة في الوقت ذاته لمختلف الجرائم الإلكترونية من تشهير ودعوات للعنف والكراهية والتمييز ونشر للمحتويات الماجنة أو التي تشكل خطورة على القاصرين/ات، وهذه لا يجب أن تحظى بامتياز الحصانة من العقوبات السالبة للحرية.
أما لماذا فصلها عن مدونة الصحافة والنشر، فلأن هذه الأخيرة تعتبر من المرجعيات المنظمة لمهنة، من مثل المدونات القانونية المنظمة لمهن أخرى، لها خصوصياتها، والحال أنه لا يمكن اعتبار المدونين أو اليوتوبيرز في حالة ممارسة لمهنة منظمة قانونيا.
وهذا يجرنا إلى إشكال آخر، هو وضعية بعض القنوات في اليوتيوب مثلا، التي تكون لها علاقة بموقع إعلامي مرخص لها قانونيا. والتي كنت قد صرحت سابقا، بأنه لكي تسري على تلك القنوات مواد قانون الصحافة والنشر، يجب على الموقع أن يصرح بان تلك القناة تابعة له، وبالتبعية تصبح مداخيل تلك القناة تحتسب ضمن مداخيل أو أرباح الشركة/المقاولة صاحبة الموقع، ويتم التصريح بها، وأداء المقابل الضريبي المكافئ لباقي مداخيل المقاولة: البيع –الإشهار.. وبهذا نخرج من ازدواجية الصحافي واليوتوبير، وهي ازدواجية اعتبارها غير اخلاقية في الوضع الحالي وايضا اجد فيها مسا كبيرا بسلامة الممارسة المهنية الحقة الصحافية . ناهيك عن كون هذه الازدواجية قد تحلينا إلى التفصيل في الظروف الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين بالمغرب والى الأرباح المادية والانتقال الاجتماعي الذي يحققه اليوتيوبر ( موضوع المقال القادم سأفصل فيه هذه النقطة ) .
وفي الختام، ورغم أن السيد المهداوي كال لي ما شاء من تهم سواء بشكل صريح أو ضمني، فإني أعتبر أن التفاعل ما ما صرح به، يمكن أن يكون مدخلا لنقاش هادئ ومثمر، بعيد عن محاكمة النوايا، وعن الاستغراق في حالة المظلومية، وعن اعتبار كل آراء الآخرين المرتبطة بسياق ما، تدخل في مخطط للتضييق عليه.
وأملي أن يتسع صدره لهذا النقاش، كما أملي أن تكون النقاشات بين الزملاء الصحافيين والصحافيات مما يدفع للارتقاء بالمهنة، رغم كل الاختلافات، لا مما يعمق الصورة السلبية والنمطية التي علقت بالصحافة محليا، أو تلك التي تقسم الصحافيين وفق تقسيم مانوي: محور الخير ومحور الشر.
ملاحظة : كان يمكن ان اطلب حق الرد المكفول ، لديكم ، لكن الفيديو هو بصيغة البث ( المباشر ) على اليوتوب الخاص ب حميد المهداوي.. ، بالتالي اخترت ان اكتب هذا المقال على ان أعود لنقاط أخرى في نفس الموضوع : الحاجة إلى مدونة نشر إلكترونية
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=39730