بقلم: د. أحمــد فطــري…..
على هامش خطاب الرئيس الفرنسي أمام البرلمان المغربي…
تتبعنا في حزب الوحدة والديمقراطية باهتمام كبير الخطاب الهام الذي ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام البرلمان بغرفتيه، يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 في إطار زيارة الدولة التي قام بها للمغرب مؤخراً.
* وإذا كنّا نعتبر أن التقلبات في العلاقات الدولية هي نتيجة حتمية لسياسة المصالح التي أصبحت تحكم العالم وتهيمن عليه في المجال الاقتصادي خاصة، دون اعتبار يُذكر لسواه من المجالات الإنسانية والأخلاقية والثقافية والفكرية!!
وإذا كنّا نُدرك أن فرنسا تسعى جاهدة إلى أن تُعيد مكانتها المتميزة في إفريقيا، بعدما بدأ موقعها يتقهقر تدريجياً في عدد من دول القارة السمراء، نَتيجة يقظة هذه الدول وانتفاضتها في وجه السياسة الاستعمارية والغطرسة الإمبريالية والتعامل بالتعالي والفوقية مع الاحتقار والدونية!!
وإذا كان المغرب يُعد من المستعمرات القديمة التي احتلتها فرنسا زمناً، واستغلت -ومازالت- خيراتها الطبيعية والبشرية طويلاً؛ إضافة إلى أن بلادنا تُعد بوّابة آمنة نحو معظم دول إفريقيا، وصِلة وصل طبيعية بينها وبين أوروبا والكثير من دول العالم أيضاً…
فإن كل هذه المسببات مجتمعة -وسواها- تُشكِّل عاملاً أساسياً للاهتمام الكبير الذي توليه فرنسا للمغرب، اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً ولغوياً؛ ولهذه الغاية وقف الرئيس مُسهِباً في حديثه عن العلاقات التاريخية المتميزة بين المغرب وفرنسا من جهة، وعن الآفاق الواعدة التي تفتحها هذه الزيارة من جهة ثانية…
وفي هذا الإطار جاء التوقيع على الإعلان عن الشراكة الاستثنائية بين البلدين، وكذا توقيع مسؤولي البلدين على عدد من الاتفاقيات المختلفة والمشاريع المتعددة، وهي استثمارات ضخمة ومنتجة، نتمنى صادقين أن نجني ثمارها بصفة مشتركة، وأن تَعمّ فائدتها البلدين معاً، من خلال التعاون المتوازن بينهما؛ خاصة بعدما لم نَعُد نمثل ضيعة خلفية للمصالح الفرنسية، كما كان الأمر سابقاً، وهو ما يجب أن تتداركه فرنسا عاجلاً في سائر مستعمراتها السابقة…
* ولا شك أن قضية الصحراء المغربية المسترجعة كانت من المواضيع الرئيسية التي احتلت مكان الصدارة في زيارة المسؤولين الفرنسيين لبلادنا، والتي أوْلاها الرئيس ماكرون عناية ملحــوظة في خطـابه أمـام البـرلمان المغـربي؛ وفي هذا الصـدد نُنوّه بالمسـاندة الفـرنسية الواضحة
2/1
لمشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت سيادة المملكة، ولو أن هذا الموقف جاء متأخراً، على اعتبار أن فرنسا تعلم جيداً قبل غيرها أن الصحراء الغربية هي أراضٍ مغربية، كما هو الشأن بالنسبة للصحراء الشرقية التي ما زالت محتلة من قِبل جيراننا؛ وبهذا الخصوص فإن الرئيس الفرنسي يعلم كذلك أن بلاده هي السبب المباشر في اقتطاع أجزاء مهمة من الأراضي المغربية وضمِّها قصراً إلى الأراضي الجزائرية التي كانت فرنسا تعتبرها مستعمرة دائمة؛ ممَّا ترتّب عنه معاكسة حكام الجزائر لبلادنا في حقوقها المشروعة، وهو موضوع من المفروض في ساسة فرنسا أن يحيطوا به وَيَعُوه جيداً…
* أما القضية الفلسطينية فلم تنل في خطاب الرئيس الفرنسي ما تستحقه من العناية، إضافة إلى أنه قد وصف المقاومة الفلسطينية وما حدث يوم 07 أكتوبر 2023 بالبربرية والهمجية، وبالمقابل أعطى لدويلة إسرائيل الحق المطلق في الدفاع عن نفسها، محملاً حماس المسؤولية الكاملة، دون أن يتحدث عن بربرية الكيان الصهيوني وهمجيته، ولا أن يُدِينَهُ بجملة واحدة، بل تجاهل بالمرة معاناة الشعب الفلسطيني من التقتيل والتجويع والتدمير والتخريب والفتك والتهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، منذ أن تمَّ زرع تلك الدويلة العنصرية في قلب الوطن العربي قبل سبعة عقود وزيادة؛ وهي ممارسات همجية لا علاقة لها بالدفاع عن النفس مطلقاً، وإنّما هي السبب الرئيسي في اندلاع طوفان الأقصى من قلب غزة / العزة.
ونحن في حزب الوحدة والديمقراطية نذكّر الرئيس الفرنسي بِشَذرات من معاناة إخواننا الفلسطينيين القاسية والأليمة جرّاء بربرية وسادية وحيوانية الدُّوَيْلَة التي صنعها الغرب ويدعمها ويحميها، خلف أمريكا، بكل الوسائل المادية والمعنوية؛ مما جعلها تصول وتجول كما شاءت في فلسطين وفي لبنان وغيرهما، من دون أن تجد رادعاً ولا أن يُحرّك صانعوها ساكناً!!؟؟
إنه عالم متوحش تسود فيه شريعة الغاب حيث يأكل القويّ الضعيف ظلماً وعدواناً، ولعل الرئيس الفرنسي بدوره قد خشي ردة فعل الكيان الصهيوني فلم (يُعاتبه) ولو بكلمة.
ومن الواضح أن الرئيس ماكرون عندما كان يُخاطب البرلمان فإنه كان يُخاطب الشعب المغربي من خلاله، ولذلك فقد كان عليه أن يُراعي مشاعر هذا الشعب الذي يضع القضية الفلسطينية ضمن أولويات قضاياه الأساسية، نظراً للروابط الدينية والتاريخية والعلمية التي تدفع المواطنين المغاربة إلى التضامن التلقائي مع الشعب الفلسطيني من خلال المسيرات المليونية والتظاهرات الصاخبة التي تشهدها مختلف أقاليم المملكة، والتي عرفتها بعض المدن المغربية يوم إلقاء الرئيس الفرنسي لخطابه، وذلك تنديداً بوصفه للمقاومة الفلسطينية البطولية بالبربرية والهمجية؛ وهو الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن القضية الفلسطينية ستظل حاضرة في جوهر انشغالاتنا وتسكن عُمق قلوبنا وعقولنا، إلى أن يتحقق النصر المبين بمشية الله تعالى…
2/2
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=35534