نساء مغربيات يقاومن شراسة السرطان وقسوة تخلي المجتمع

admin
مجتمع
admin17 أغسطس 2024آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2024 - 8:39 مساءً
نساء مغربيات يقاومن شراسة السرطان وقسوة تخلي المجتمع

تعاني العديد من النساء المغربيات بصمت بعد إصابتهن بمرض السرطان خصوصا في المناطق القروية التي لا تعي طبيعة المرض، في ما بعضهن تخلى عنهن أزواجهن لعدم تحمل مسؤولية مسيرة العلاج الطويلة المرهقة نفسيا وماديا، غير أن جمعيات تنشط لتقديم المساندة لمريضات السرطان تقوم بدور مهم في دعمهن.

يبذل المغرب مجهودات كبيرة في ما يتعلق بالوقاية من مرض السرطان وعلاجه والتكفل بمرضاه طبيا ودعمهم ومواكبتهم نفسيا واجتماعيا، غير أن الأعداد المتصاعدة للمصابين بمرض السرطان وغيرها من العوامل تُضعِفُ فعالية البرتوكولات العلاجية، بما يعيق حق المرضى في العلاج، خاصة النساء المعوزات، ويُضاعف من معاناتهم ومعاناة أسرهم ويمس كرامتهم، بل يؤدي في حالات كثيرة إلى استفحال مرضهم ووفاتهم.v7 1 1 - ميكرو تي في

وتمتد معاناة مرضى السرطان عند النساء خاصة، على مستويات عدة، بدءاً من توفير الدواء الى صعوبات اجتماعية تتعلق بالمعاناة النفسية الناجمة عن شعورهن بالتخلي العائلي وبهروب بعض الأزواج من تحمل مسؤولياتهم ويصل الأمر حد تطليقهن، وتقوم جمعيات بدور مهم من خلال العناية بهؤلاء النسوة وتقديم الدعم لهن لمواجهة شراسة المرض وقسوة المجتمع.

وبعدما عانت من سرطان الدم والتي لازالت تتابع علاجها إلى اليوم، ونظرا إلى غياب جمعيات على مستوى إقليم صفرو والنواحي، تحدثت نجية الحميدي، رئيسة جمعية بسمة لمرضى السرطان، عن تجربتها وظروف إنشاء الجمعية “ارتأيت أن أقوم بمبادرة تكوين جمعية بسمة لتخفيف المعاناة ماديا ومعنويا على نساء يعانين بشكل مزدوج أولا المرض الخبيث الذي استوطن أجسادهن وثانيا معاناتهن اليومية مع عائلاتهن وأطفالهن، وبالتالي مرضي هو سبب تأسيس الجمعية التي تنشط على المستوى الإقليمي الذي يضم عددا كبيرا من القرى والمدن الصغيرة منذ 2021”.

نجية الحميدي: الدعم النفسي هو أولى الخطوات الصحيحة في رحلة العلاج المتعبة جسديا ونفسيا لمريضات السرطان
نجية الحميدي: الدعم النفسي هو أولى الخطوات الصحيحة في رحلة العلاج المتعبة جسديا ونفسيا لمريضات السرطان
وأكدت الحميدي، في تصريح لـ”العرب”، أن بعض النسوة اللواتي انضممن إلى الجمعية مطلقات وقد تخلى عنهن أزواجهن بمجرد أن علموا بأن زوجاتهم سيمررن بظروف صعبة ولن يقدرن على تحمل أعباء البيت كما كن سابقا، لذلك قرروا أن يهجروهن ويتخلوا عن تحمل المسؤولية.

وأوضحت رئيسة الجمعية أن الدعم النفسي هو أولى الخطوات الصحيحة في رحلة العلاج المتعبة جسديا ونفسيا لهؤلاء النسوة مع ربط شراكات مع جهات ومؤسسات لتقديم الدعم لهؤلاء النسوة خصوصا في العالم القروي حيث أن هناك من يعتبر السرطان من التابوهات والكثير من النساء يعانين في صمت وبعض السكان لا يريدون التواصل مع المرضى ظنا منهم أن المرض معد.

وتعرضت الكثير من النساء إلى ظلم اجتماعي نتيجة إصابتهن بالمرض بسبب عدم الوعي والجهل بطبيعة المرض في بعض المناطق الريفية وهو ما يضاف إلى أوضاعهن الصعبة أساسا إذ أن الكثير منهن يعنّ عائلاتهن بعمل يومي يتقاضين عنه أجرا متواضعا.

وتقول خديجة، وهي امرأة أربعينية، إن عائلتها تخلت عنها بمجرد أن علمت بإصابتها بسرطان الرحم، مضيفة في تصريحات لـ”العرب”، أن “طبيبا بالمستشفى الجامعي هو الذي ساعدني على تخطي عقبات العلاج، تكفّل بي منذ دخولي المشفى للعلاج دون أن يكون لديّ أيّ فلس، فأنا أشتغل في أيّ عمل في البيوت والمقاهي أغسل الأطباق والكؤوس”.

وأضافت “لا أخفيك، أنني لم أتقبل المرض لأول مرة خصوصا أن لديّ ابنا في السابعة من العمر وعندما سمعت بإصابتي بسرطان الرحم ساورتني كل الهواجس والتخوفات وكل مرة أرى نفسي ميتة وابني مشردا، لقد غرقت في بحر الأفكار السلبية بعد اكتشافي لإصابتي بالمرض، لهذا كانت هذه الجمعية ورئيستها ملاذا كبيرا والآن بدأت أتكيف مع المرض لأنني شاهدت حالات أكثر مني معاناة”.

وتنشط في الجمعية العديد من المتطوعات، وفتيحة واحدة من اللواتي اخترن الانخراط في العمل فيها لأسباب عديدة، وتقول في تصريحات لـ”العرب”، “إنني بعد تجربة وفاة والدتي متأثرة بالمرض، انخرطت بالجمعية لتوجيه وإرشاد النساء نحو العلاج والتحسيس بأهمية الدعم النفسي للمريضات انطلاقا من تجاربهن الخاصة، وتكثيف الجهود ضمن الجمعية للتحسيس والتوعوية بأهمية الكشف المبكر والدعم النفسي”.

38 نسبة الإصابة بسرطان الثدي من مجموع السرطانات عند النساء ويحتل المرتبة الأولى يليه سرطان عنق الرحم

ويؤكد رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة علي لطفي أنه رغم من كل المجهودات المهمة التي بذلها المغرب خلال السنوات الأخيرة، تظل نسبة الوفيات مرتفعة، حيث تعد السرطانات السبب الثاني في الوفيات في المغرب بعد أمراض القلب والشرايين بنسبة 13.4 في المئة ويسجل المغرب حوالي 50 ألف حالة جديدة من السرطان كل سنة، ويبلغ معدل الإصابة 137.3 حالة جديدة لكل مئة ألف شخص من السكان، ويأتي سرطان الثدي عند النساء في المرتبة الأولى بنسبة 38 في المئة من مجموع سرطانات الإناث، يليه سرطان عنق الرحم.

وتحدث لطفي، في تصريح، لـ”العرب”، عن الطبيعة المزمنة والمميتة والخطرة لهذا المرض، قائلا “إنه تمكن الوقاية من هذا الداء وعلاجه بفضل التشخيص المبكر والدعم النفسي للمرضى داخل العائلة والجمعيات المعنية”، معتبرا أن من شأن ذلك أن يرفع نسبة الشفاء لتتراوح بين 85 و90 في المئة.

ورغم الانتشار الواسع للسرطان في المغرب، فإن الحديث عنه يبقى محتشما وأغلب المغاربة يتفادون تسميته ويصفونه بالعامية بـ”المرض الخايب” (المرض الخبيث)، لما يتسبب فيه من ألم وحزن في نفوسهم حينما يكتشفون إصابة أحد أقاربهم أو شخص عزيز بالمرض خاصة في مراحله المتقدمة، حيث لا ينفع معه العلاج.

أبواب موصدة
وأكدت غزلان التي تواكب أختها وفاء، والتي عانت منذ 2014 من مرض سرطان الثدي، أنها “كافحت للعلاج منه والآن تعاني من الآثار التي خلفها ومنها هشاشة العظام، إلى جانب الإعاقة الجسدية التي تعاني منها منذ ولادتها ما زاد من صعوبة الوضع، خصوصا وأن التكاليف المادية باهظة، ولولا قرب المستشفى الجامعي من مقر سكنها بمدينة صفرو لكان الوضع أشد إذا أردنا نقل أختي إلى الرباط أو الدار البيضاء”.

وأضافت غزلان، في تصريحات لـ”العرب” أن “دعم الأصدقاء والعائلة كان ممتازا وزوجي وأبنائي كانوا خير سند رغم الوضع الاقتصادي العادي، إلا أن زوجي جازاه الله خيرا لم يتأفف أبدا وأنا أقوم بالتكفل بأختي التي ليس لها أحد سواي، وكانت جمعية بسمة خير سند، ورغم التكاليف وانقطاع الدواء إلا أننا لا نريد إثقال كاهل الأصدقاء والمساندين”.

وشدد علي لطفي، على أن المغرب دخل عصر التغطية الصحية الشاملة، من خلال تنزيل المشروع المجتمعي الملكي الهام المتمثل في تعميم التأمين الصحي على جميع المواطنين والمواطنات ويهدف إلى التضامن والتكافل الاجتماعي وتوفير الحماية اللازمة لكافة المواطنات والمواطنين والاستجابة لتطلعاتهم وضمان كرامتهم وأمنهم الصحي، ليحصل جميع الأشخاص على الخدمات الصحية الجيدة ولحالتهم الصحية متى وأينما يحتاجون إليها، دون التعرض إلى ضائقة مالية.

وفاطمة الزهراء، هي واحدة من النساء اللواتي يعانين المرض، وتحدثت عن تجربتها القاسية قائلة إن البداية كانت من “عدم وفاء الزوج الذي دخل معي في صراع بعدما ضبطته يخونني مع امرأة أخرى ما خلق جوا متوترا داخل البيت وخطف أبنائي، أصبت على إثرها بصدمة نفسية وجسدية تسببت لي في سرطان الثدي، وقد قدمت في حقه شكاية للطلاق وتم فعلا والآن أنا أقوم بأعباء المنزل والدواء والمعاناة اليومية مع العلاج الكيميائي، وأيضا مسؤولية الأبناء كونه يتهرب من أداء واجبات الحضانة رغم الحكم لصالحي”.

ومع ذلك تقول فاطمة الزهراء لـ”العرب”، “هذا ابتلاء من الله وقد دعمني أطبائي وكانوا سندا لي وأيضا أعضاء ورئيسة الجمعية، التي كانت خير سند لنا في هذه المحنة وتنصت لمشاكلنا وتعمل على حل المشاكل المتعلقة بالمسألة المادية عندما تحصل على مساعدات من عدد من المحسنين والمتعاطفين”.

المساندة ضرورية

ونظرا لتزايد أعداد المصابين بالسرطان في المغرب كل سنة، ساءل رشيد حموني النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، خالد آيت الطالب وزير الصحة والحماية الاجتماعية، حول اهتمام وزارته بمرضى السرطان علاجيا ونفسيا واجتماعيا، والإجراءات التي سيتخذونها من أجل خفض معاناة مرضى السرطان وعائلاتهم، ومقترحات آليات التكفل بمرضى السرطان، وأيّ سبل أخرى عملية بإمكانها الإسهام في خفض معاناة مرضى السرطان وعائلاتهم.

وأكدت رئيسة جمعية بسمة لمرضى السرطان بإقليم صفرو نجية الحميدي أن أسعار أدوية السرطان مرتفعة جدا بالمغرب وعدد كبير من أدوية السرطان المكلفة لا توجد ضمن لائحة الأدوية التي يمكن استرجاع مصاريفها ما يدفع عددا من المرضى إلى الاستسلام والتوقف عن العلاج، ولهذا كان هناك اجتماع مع البرلمانية نادية تهامي نائبة رئيس مجلس النواب، للفت نظرها للمشاكل التي يتخبط فيها المرضى والتي تؤزم أوضاعهم الجسدية والمادية.

ولفتت الحميدي، أن النائبة البرلمانية تبنّت ملفنا المطلبي إلى جانب جمعيات أخرى، حيث ستوجه سؤالا كتابيا لوزير الصحة خالد آيت الطالب للتعامل مع مشكل التغطية الصحية وارتفاع المؤشر الاجتماعي للاستفادة من خدمات القطاع الصحي، ومشكلة انقطاع الأدوية وعدم توفرها بالمراكز الاستشفائية ومشكلة بعد المراكز الاستشفائية عن مقر سكنى المرضى.

ويعتبر المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس واحدا من أهم المراكز الصحية لمعالجة المرضى حيث عزز هياكله الخاصة بالتكفل بالمرضى المصابين بداء بالسرطان، من خلال هياكل القطب المندمج للسرطان الذي يعد الأول من نوعه سواء على المستوى الوطني أو المغاربي، ومن ضمن مكونات هذا القطب هناك “مستشفى الأنكولوجيا” الذي تم إنجازه باستثمار مالي يفوق 190 مليون درهم، والذي ساهم بشكل لافت في تحسين وتطوير الخدمات الصحية المقدمة للمرضى خاصة في مجال معالجة السرطان بالمغرب.

ويهتم هذا المستشفى، الذي يضم قسما للأنكولوجيا الطبية وقسما للطب النووي وآخر للعلاج بالأشعة، ومركزا لسرطان الدم والأنكولوجيا خاص بالأطفال، والتكفل بالمرضى المصابين بالداء، من خلال توفير العلاج، سواء عن طريق الأشعة أو الحقن بالهرمونات أو غيرها من وسائل العلاج الأخرى، خاصة تلك التي تهتم بتخفيف الألم لدى المصابين.

محمد ماموني العلوي. (ع ج العرب)

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.