خطـــــاب مفتـــــوح
إلـــى معالي وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المحترم
الآن، وقد هَدَأَت النفوس وعادت المياه إلى مجراها الطبيعي أو تكاد، فإننا في حزب الوحدة والديمقراطية نرى من واجبنا الوطني أن نرفع هذا الخطاب إليكم، باعتباركم المسؤول الأول عن قطاع التعليم ببلادنا، وهو أكثر القطاعات حيوية من سواها؛ ومن خلالكم نرفع هذا الخطاب إلى الحكومة المغربية باعتبار المسؤولية المشتركة التي يتحملها كل أعضائها في إطار التآزر والتشاور والتعاون والتفاعل…
إِذْ من المؤكد أننا نَتَّفِقُ جميعاً على أن بلادنا قد مرت بظروف صعبة جداً على امتداد حوالي ثلاثة أشهر من الإضرابات المتتالية للأسرة التربوية في التعليم العمومي، الذي يضم بين جنباته ملايين التلميذات والتلاميذ ومن خلفهم أضعاف الأضعاف من الآباء والأمهات والأولياء، وهي إضرابات استثنائية فريدة من نوعها لم يشهد المغرب مثيلاً لها منذ الإعلان عن الاستقلال؛ ولذلك يجب على كل الأطراف بصفة عامة، وعليكم أنتم كمسؤولين بصفة خاصة أن تأخذوا من هذا الحدث الدروس والعبر اللازمة، حتى تتم معالجة الأمور المستعصية وَحَلّ المشاكل المتراكمة بما تتطلبه من تعقل ورزانة وحكمة، بعيداً عن لغة القمع والانتقام (والعَصَا لِمَنْ عَصَى)، لأن هذا الأسلوب المُتَخَلِّف لم يعد لائقاً مع انتشار الوعي والإدراك في زمنٍ أصبحت فيه المعلومات مِلْكاً مُشَاعاً، خاصة في أوساط الأسرة التعليمية التي تُعْتَبر من نُخَبِ المجتمع المميزة بما هي أهل له من تقديرٍ وتبجيلٍ وعنايةٍ ورعاية، نظراً للأدوار الطلائعية التي تقوم بها في تربية الأجيال الصاعدة وتكوينها وتأطيرها وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تؤهلها لخدمة الوطن والمواطنين مستقبلاً…
وكما لا نُريدكم أن تلجأوا إلى الأساليب القمعية والانتقامية، فإننا لا نريدكم كذلك أن تلجأوا إلى محاولة تشتيت مكونات الأسرة التعليمية والسعي نحو تمزيق وحدتها اعتماداً على سياسة (فَرِّقْ تَسُدْ) التي لن تزيد هذه الأسرة الشريفة إلا التحاماً وتماسكاً؛ ومن هذا المنطلق فإن محاولات التخوين وتوجيه اتهامات باطلة بخدمة أجندات معينة، مما لا يُجدي نفعاً بالمرة، بل قد لا يزيد طين إلا بِلَّة!! 2/1
ولا نُريدكم من جهة أخرى أن تَقَعُوا -من حيث تعلمون أو لا تعلمون- في فَخِّ الإملاءات الخارجية التي لا تُعير اهتماماً لمصالحنا الوطنية، وإنما تسعى أساساً إلى تجذير توجهاتها الانتهازية التي تُكَرِّسُ بقاءنا في خانة الانبطاح والتبعية…
ولأن المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار فإنه لا مجال للتَعَنُّتِ والتَّنَكُّر، وأنتم تدركون جيداً أن تنسيقيات الأسرة التعليمية هي التي قادت الإضرابات شهوراً ثلاثة متتالية، ولذلك فإن ممثلي هذه التنسيقيات هم الأجدر والأولى بالحوار والنقاش والمجالسة وتبادل الآراء النَّيِّرَة؛ دون أن نُنْكِرَ دور كل النقابات المعنية من غير أي تمييز فيما بينها، بل والجمعيات والمؤسسات المهتمة بمجال التربية والتعليم بِرُمَّتِهَا، نظراً لخطورة وحيوية الموضوع الذي يهم حاضر ومستقبل فلذات أكباد المغاربة جميعاً…
إِذْ كما لا يَخفى عليكم فإن التعليم العمومي يجب أن يظل هو المرتكز الأساسي الذي تقوم عليه كل سياسة تعليمية في بلادنا، ليس فقط نظراً لحمولته التاريخية المتميزة ومردوديته الايجابية العالية على امتداد عقود طويلة، والتي لا يُنكرها إلا جاحد أو جاهل؛ وَإِنَّمَا كذلك نظراً لارتباطه الآني بالطبقات الوسطى والفقيرة التي لا سبيل لديها لتدريس أبنائها في المؤسسات الخصوصية التي لا تَتَوَانَوْنَ في تشجيعها ودعمها سِرّاً وعَلَناً!!
علينا أن نَتَّقِيَ الله في هذا الوطن، وأن نتحلى بروح الوطنية الصادقة والمواطنة الحَقَّة، مِمَّا ندعوكم وِفْقَه في حزب الوحدة والديمقراطية إلى ضرورة إلغاء كل الاقتطاعات والتوقيفات التي أَقْدَمْتُم عليها، والتي تَصُبُّ الزيت على النار ولا تزيد الأمور إلا تعقيداً؛ وأن تستخلصوا النِّعْمَة من طَيِّ هذه النِّقْمَة، وتغتنموها فرصة لفتح حوار شامل في إطار مناظرة وطنية يُشارك فيها كل المعنيين بقطاع التعليم في بلادنا، قصد تَطَارُحِ القضايا الجوهرية والمشاكل الأساسية التي يُعاني منها هذا القطاع على جميع المستويات والأصعدة، والعمل الجَادِّ من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها عاجلاً…
وأَمَلُنَا وطيد أَلاَّ تُضَيِّعُوا هذه الفرصة الثمينة التي انْبَثَقَتْ من ثَنَاياَ رَحِمِ مُعاناة الشعب المغربي الأَبِيِّ على امتداد الشهور الأخيرة، سائلين العلي القدير التوفيق والسداد لِكُلِّ ذي نيةٍ حسنة ومحبٍّ لهذا الوطن العزيز الذي يُوَحِّدُنا جميعاً، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وتفضلوا معاليكم بقبول أزكى عبارات التقدير والامتنان. 2/2
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=21809