بقلم المصطفى قصاب
دور النقابات بالمغرب أصبح باهتا وتراجع زخم حضورها حقٌّ أريد به باطل؛ حق لأنه واقع، وهذا التراجع ينطبق على الحركة النقابية المغربية وحدها،( أخص بالذكر النقابات الأكثر تمثيلية بمعنى المركزيات الثلاث) ثمّة عامل آخر أدّى إلى ضعف الحركة النقابية، وهو تغول الإمبريالية، ومن نتائج هذا التغول حدوث هجوم على حقوق الشغيلة في المغرب؛ لأن الحاكمين يُحسنون استغلال الظروف الدولية.
والنقابة شأنها شأن أي تنظيم مجتمعي، مبني على أساس الاختيار الفردي والطوعي، بدافع تحقيق الصالح العام، إذ الغاية النقابية هي تنظيم العمال وتربيتهم وإشعارهم بالحقوق التي لهم، وهذا ما يجعل الحاجة للنقابة دائمة حتى بعد التمتع بكامل الحقوق، لأن المحافظة على روح الكفاح هي الضمان الضروري للاستمرار في التمتع بالحقوق. فالنقابة لها دور مهم في الجانب الاجتماعي كما أن للحزب دور مهم في الجانب السياسي، إذ يتحركان في خطين متوازيين، هما خط الكرامة والديمقراطية لكن شتانا من ما هو كائن و الحالة الآن و ما يجب أن يكون، فالفرق شاسع، اللهم الشعارات في المناسبات خصوصا في عيد العمال الذي لم يتبقى منه سوى العنوان وضخ أموان الشعب في جيوب النقابات على حساب دافعي الضرائب و العمال المغرر بهم .
يعتبر العمل النقابي حقا من حقوق الإنسان، تكفله المواثيق الدولية وتضمنها الدساتير الدولية وتحميه القوانين الوطنية، حيث يسمح لأي فرد أن ينتمي لأية حزب سياسي وأن يتبنى أية عقيدة فكرية أو نسقا فكرانيا، في احترام تام طبعا للقوانين الجاري بها العمل، وفق مقترب يقبل الآخر ويعبر عن الذات بطريقة حضارية. ومن بين أدوات التعبير الحضاري عن الذات الانتماء التنظيمي لنسق ما، يلتقي فيه الفرد مع المجموعة التي تتقاسم معه إما نفس الفكر أو نفس الفئة أو نفس القضية. وتعتبر النقابات المهنية أو الحرفية، إطارا حقوقيا ودستوريا للدفاع عن مطالب فئة مهنية أو قطاعية، تبتغي تحقيق مطلب أو تحصين مكتسب، والدفاع عن مطالب مشروعة.
إن أنانية مسيرو النقابات والمكاتب التي تسمي نفسها نقابية وثقافة الحق قبل الواجب، ومنطق أنا ومن بعدي الطوفان، لا يمكن لها أن تبني مجتمعا قويا ولا دولة ناجحة ولا فردا سويا أصلا، إذ لا يمكن لأمة ما أن تنهض من وهدة السقوط التي وقعت فيها إلا إذا تدربت على أن تفكر اجتماعيا، وتعودت على ألا ترى في مسائل الأفراد أو الطبقات الأخرى شؤونا بعيدة عنها أو غير عائدة عليها.
هنالك عوامل متعددة تزهد الفرد من الانتماء إلى التنظيمات النقابية، منها الأنانية وشيوع ثقافة الاستهلاك والانكفاء على الذات وتحقيق مطالبها والبعد عن الانساق الفكرية والاهتمام بقضايا المجتمع، فهمهم الوحيد المكاسب الفردية ضاربا عرض الحائط المبادئ النقابية ما خلقت من أجله وبيع الحقوق والتنازل عن المكتسبات (من لا همَّ له لا همَّة له).
إن الأسباب التي أضعفت القابلية للانتماء النقابي عند الطبقة الشغيلة، منها ما هو فكري معرفي، ومنها ما هو نفسي اجتماعي، وما هو اقتصادي سياسي
خفوت جدوة الأيديولوجيا وضعف الأنساق الفكرية.
للأسف، بعض النقابات تراجعت عن دورها في التأطير والترافع والدفاع عن قضايا الشغيلة؛ لأن جزءا من الحركة النقابية فاقد للاستقلالية في قراراته. هناك نقابات فُرض عليها أن تقول نعم للدستور، وفرض عليها أن توقع على اتفاق الحوار الاجتماعي مع الحكومة مرغمة أو مقابل مزايا خاصة.
فمسؤولية الدولة تتجلى في كونها تعطي صورة سيئة عن النقابات العمالية، ذلك أنها لا توفي بالتزاماتها معها،
هذا يجعل حتى المنخرطين في العمل النقابي، يتساءلون عن جدوى العمل النقابي، ما دام أن الدولة لا توفي بالتزاماتها تجاه النقابات. وعندما تعطي الدولة صورة سيئة كهذه فإن أرباب العمل أيضا يتمادون لا يلتزمون بتفعيل مضامين اتفاقات الحوار الاجتماعي.
هنا يكمن مربط الفرس فكل من النقابة والحكومة يريد إضعاف الشغيلة حتى لا تطلب الحقوق، وما الطاولات المستديرة والحوار الاجتماعي سوى مسرحية أبطالها أعضاء من الحكومة وأشخاص يقال عنهم مناضلين، ويتم إسكات ذوي الحقوق، بأن هناك اتفاق بينهم وبين من يجب أن يستمت في الدفاع عنهم، لكن الخونة وأصحاب النفوس الضعيفة، يبيعون إخوانهم مقابل امتيازات خاصة.
فإلى أين يسير هذا البلاد؟ فالحقوق هضمت، بسبب النقابات الثلاث الأكثر تمثليه، كلمة حق أريد بها باطل، وهو إقصاء النقابات الأخرى، الأقل تمثيلية، فما هو المعيار الذي استند عليه التصنيف؟ اللهم الأموال المحصل عليها من الحكومة، والضمائر ماتت، وغلبت عليها المصالح الشخصية.
مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها بقوة:
ما الذي يدفع الطبقة المنتمية لقطاع التعليم إلى العزوف عن النقابات والبحث عن أنساق تعبيرية بديلة أخرى (التنسيقيات)؟
لماذا تراجعت نسبة المنتمين الى النقابات؟
خلاصة القول:
ضعف الحركة النقابية تتحمّل مسؤوليته الدولة والباطرونا والنقابات، علما أن الحركة النقابية مهمة جدا للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في أي بلد كان.
هذا يحيلنا على مسألة استقلالية النقابات. هل النقابات العمالية، فعلا، مستقلة في قرارها؟
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=12784