المصطفى قصاب
الحزب السياسي هو مجموعة من الأفكار التي تصب في المنحنى نفسه، هدفه الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات.
إن المغرب بمجرد حصوله على الاستقلال برهن عن نيته في إقامة التعددية الحزبية من خلال صدور ظهير الحريات العامة سنة 1958، وتم تعزيز ذلك بصدور أول دستور سنة 1962، أكد أن نظام الحزب الواحد غير مشروع
إن المتتبع لشأن العام الوطني في السنوات الأخيرة يلاحظ تدني مستوى الأداء الحزبي، فرغم أن الدستور الجديد نص على صلاحيات مهمة للأحزاب السياسية حسب الفصل السابع منه، وأنه من حق المواطنات والمواطنين الانخراط في الأحزاب السياسية، ورغم أن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية نص على مستجدات مهمة من أجل تحقيق الحكامة الحزبية والديمقراطية، إذ لأول مرة تم الارتقاء بالقانون المنظم للأحزاب من قانون عادي إلى قانون تنظيمي، إلا أن هذا يظل مجرد قيمة ما لم يتم تعزيزه.
هناك خصوصية في المغرب تتمثل بالفعل في أن هناك أحزاباً كبرى كانت وراء الاستقلال، لكنها لم تحسن إدارة مرحلة ما بعد الاستقلال وهو ما أثر في شعبيتها وأدى إلى تآكلها وانشقاقات داخلها وأسهم في نهاية المطاف، إلى تقلص دورها أو انعدامه، و للأسف الأحزاب التي حلت محل القديمة منها فشلت هي الأخرى في إدارة المرحلة الجديدة، مما مهد الطريق إلى أزمة الأحزاب الحالية وفي ظل تغيرات جديدة يعرفها العالم على غرار انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني كفاعل قوي هو الآخر.
ومنذ سنوات بات هناك نفور لافت من قبل المغاربة تجاه الحياة السياسية وحال من عدم اليقين في قدرة الأحزاب على قيادة البلاد نحو تجاوز الأزمات الحالية، لا سيما في ظل الأوضاع الحلية وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المحروقات التي أنهكت جيوب المواطنين، والغريب هو تصويت البرلمان الممثل الوحيد للشعب غلى كل الإجراءات والزيادات عوض الدفاع عن المصالح والوفاء بالوعود التي أطلقوها في الحملات الانتخابية.
نلاحظ أن هناك عجزا ديمقراطيا داخل جميع هياكل الأحزاب السياسية المغربية التي يغلب عليها طابع الزبونية وطريقة اشتغالها، على سبيل المثال نجد الأشخاص الذين كانوا منذ عشر سنوات في اللجنة التنفيذية للحزب هم نفسهم، مع العلم أن القانون التنظيمي الجديد لم يتوقف عند التعريف بالحزب السياسي وتحديد القواعد المتعلقة بتأسيس الأحزاب السياسية والانخراط فيها، وممارسة أنشطتها ومبادئ تنظيمها وتسييرها ونظام تمويلها وكيفيات مراقبته ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة، بل أكد أيضا على إلزامية التداول على المسؤوليات وعدم الإبقاء على المسؤولين نفسها بصفة أبدية أو عن طريق الورثة ، كأن الأحزاب السياسية شركات خاصة في ملك عائلات .
وإن الأحزاب في المغرب تعيش أزمة حقيقية، كل الأحزاب القديمة اندثرت وكذلك تلك التي أتت بعدها، لذلك المشكلة في جزء منها تعود إلى هذه الأحزاب نفسها التي غابت عنها الشفافية ومبدأ التداول على السلطة وضعف التربية السياسية وتحكيمها للولاء والبحث عن الغنيمة أكثر من خدمة المصلحة العامة.
فأول التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية بالمغرب هي الديمقراطية الداخلية، إذ كيف يعقل أن يتبنى حزب سياسي في برنامجه الانتخابي أو الحكومي “الديمقراطية” وهو بعيد كل البعد عنها ولا يطبقها في هياكله. المؤتمر العام الذي يحدد توجهات وسياسة الحزب السياسي كيف يتم اختيار مؤتمريه، هل بمنطق الانتخاب أم إن هناك منطقا آخر؟ بمعنى أن العقلية تحن إلى الماضي، فالحزب السياسي أشبه بالزاوية والقبيلة، فزعماؤه يحظون بالتقدير نفسه الذي يحظى به شيخ الزاوية، ومع كامل الأسف مازال يغلب على الأحزاب السياسية بالمغرب طابع القرابة.
إن العمل الحزبي في المغرب انتهى وكتبت نهايته، ولم يعد المغاربة يثقون بهذه الأحزاب، خصوصاً أنها فقدت حاضنتها ولم يعد بإمكانها تحريك حتى تظاهرة واحدة لذا الشعور السائد الآن لدى عموم المواطنين أنه لا بد من أن يكون هناك دستور ينظم العمل الحزبي ويرخص له وتعرف مصادر تمويله ففي ذلك الحين من الممكن أن تبدأ الثقة بالعودة من جديد.
ورغم كل الجهود المبذولة من طرف الدولة المغربية لتقوية الأحزاب السياسية، إلا أننا نلاحظ قصور هذه الأحزاب عن القيام بدورها وعجزها عن تنفيذ التزامها الدستوري المتمثل بالأساس في تأطير المواطنين، وهذا في نظرنا بسبب كثرة الخلافات بين الأحزاب السياسية وداخل الحزب نفسه. وهذه الخلافات غير قائمة على رؤى ومستقبل للوطن، وإنما صراعات على المصالح الشخصية؛ وبالتالي تم إفساد الحياة السياسية وأصبحت تتسم بغياب التنافسية بين الأحزاب، مع تشابه البرامج وغياب معايير واضحة للتزكية للترشح، وسيادة المعيار المالي في اختيار أطر الحزب، وليس معيار الكفاءة والنضال والانضباط.
كيف يعقل أن يتم الرهان على أحزاب سياسية في قيادة معركة الإصلاح الديمقراطي تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس أعزه الله وهي بذاتها في أمس الحاجة إلى تقويم هيكلي وإصلاح؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المصدر : https://www.microtv.ma/?p=12497