القصيدة ، ورياح الحداثة ” ، ……..!

admin
فن وثقافة
admin8 فبراير 2023آخر تحديث : الأربعاء 8 فبراير 2023 - 5:09 مساءً
القصيدة ، ورياح الحداثة ” ، ……..!

عندما تُطرق البيوت من غير أبوابها ، ويغشى العيون ضباب قاتم من التخبط والإدلاج الفكري ، ويعشعش الهذيان الحداثي في الأذمغة والشغاف ، تكتسح الساحة الأدبية هنا وهناك ، مخلوقات كسيحة هجينة ، تحت مسميات خرافية لاتشبه المعتاد في شيء سوى في ضخامة العنوان المسطو عليه بصلافة وتحد ، أبعد ما يكونا عن إدراك واع لمكنونات المصطلحات الوصفية الدقيقة التي أطلقت على كل نوع معين من أنواع الكلام في اللغة العربية ،

ومن باب تسمية الأشياء بمسمياتها

سندع :

” ما لقيصر لقيصر وما لله لله ”

لأن المطب الذي يقع فيه الحداثيون في هذه القضية هو التقليد الأعمى الذي اجتاحهم بريقه دون ان يقفوا حتى في تلك المسافة الساشعة التي تفصل بين الثقافات المختلفة ، فكما تختلف الثقافات وتلتقي ، فإنها لا تختلف في كل شيء ولا تلتقي على كل شيء ، وإلباس ثقافة ما لباس غيرها قد يجعلها هجينة ذميمة كسيحة لا تستطيع الاستمرار بعيدا وقد تنتهي إلى الأبد ، أو تنتفض حتى تنزع عنها ذاك اللباس المستورد ، وتدثر بما تنسجه بأدواتها التي تملكها ،وعلى هذا ،فالاقتباس وارد والتلاقح مستحب ،لكن ليس على حساب الأشياء الجميلة الرائعة المتميزة التي تعتبر من المفاخر والمزايا ، إذ لا يمكن ان نبحث عند الٱخر على شيء ، ونحن نملك افضل منه بكثير ، فكيف يتسنى لذي عقل ان يستبدل “الذي هو أدنى بالذي هو خير ” ، والمن والسلوى ، بالفول والقثاء ، او ان يقبل بالخزف عوض الأحجار الكريمة ، ولا بأس ان نتطلع إلى شيء جميل ليس لدينا منه ما يغني عنه ، لكن أن نهفو ويسيل لعابنا على ما أدنى وأقل مما عندنا فذاك الجنون بعينه ،إلا أن نكون غير قادرين على إحكام صنعتنا وإتقانها كما توارثناها أجيال بعد أجيال ، وقرونا بعد قرون ،القصيدة يا إخواني التجديديين الكرام

” قصيدة ” لها معنى في نفسها دالا عليها من حيث البنية والشكل والمضمون ،ومن حيث كل مستلزماتها ومقتصياتها مما لا يصح أن يتتم إلا بدونها ، ولها خصائصها ومميزاتها حتى من حيث اللفظ نفسه ، فبمجرد سماع لفظ ” قصيدة ”

سرعان ما يتبادر إلى الذهن ، أنك ستسمع كلاما منظوما موزونا ذا إيقاع موسيقي شعري مطرب ،حافلا بالمحسنات والإشارات التي تجعلك تدرك انك تستمع بما تلتقطه أذناك ، هذه هي القصيدة في نظري المتواضع.

إذن القصيدة ترتع في رحاب الشعر وتوسم به ، ولا قصيدة بدون شعر ، اما ما يطلق عليه اعتباطا ” قصيدة نثر ” أو ” قصيدة هايكو ” أوغيرهما من التصنيفات الممجوجة التي تخدش القصيدة الحقيقية وتنزع عنها طوقها الجمالي الباهر ، فلا شك ان مدها الجارف لا يلبث حتى يجف أمام أمام رحب الشعر الفسيح الممتد عبر قرون قرون ، برونقه المتلألئ بمحسناته البديعية وبلاغته وأوزانه الدقيقة ،وبحوره الستة عشر ،ودوائره المؤتلفة والمختلفة والمتفقة والمجتلبة والمشتبهة ،وقوافيه المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة والمتواترة والمترادفة ، مقيدها ومطلوقها ، هذا بالإضافة إلى كل المميزات التى يمتيز بها عن قسم الكلام الٱخر الذي هو

” النثر ” الذي له كذلك أوصافه وخصائصه ومميزاته وأقسامه ،ولا يقل جودة وجمالية عن نظيره إذ كلاهما درٌّ غير أن ذاك منظوم ، وهذا منثور ،ولكل منهما حدوده ،لا يمكن ان يتعداها إلى حدود الٱخر .

عرف ”

عبد القاهرالجرجاني” الشعر بقوله :” إن الشعر علم من علوم العرب ويشترك فيه الطبع والرواية والذكاء” ،وعرفه ابن طباطبا :

” بأنه الكلام المنظوم البائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم ونظمه معلوم محدود” .

ويقول ” ابن رشيق” في كتابه ” العمدة ” : “وقد اجتمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيداً محفوظاً، وأن الشعر أقل، وأكثر جيداً محفوظاً؛ لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.”.

وقيل:

“ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون؛ فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشرة”.

وقال عنه :

“المظفر بن الفضل” : أما الشعرُ فإنه ديوان الأدب، وفخر العرب، وبه تُضرَب الأمثال، ويفتَخِر الرّجالُ على الرجال، وهو قيدُ المناقبِ ونظامُ المحاسنِ، ولولاهُ لضاعَتْ جواهرُ الحِكَم، وانتثرت نجومُ الشّرَفِ، وتهدّمتْ مباني الفضل، وأقوَتْ مرابِعُ المجدِ، وانطمسَتْ أعلامُ الكرمِ، ودرَستْ آثارُ النِّعَم. شرَفُه مخلّدٌ، وسُؤدُدُه مجدّدٌ، تَفْنى العصورُ وذِكرُه باقٍ، وتهوي الجبالُ وفخرُه الى السماء راقٍ، ليس لما أثْبَتَه ماحٍ، ولا لمَن أعذَرَه لاحٍ”

وقال:

” جرول بن أوس الحطيئة ”

الشِعرُ صَعبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُه

إِذا اِرتَقى فيهِ الَّذي لا يَعلَمُه

زَلَّت بِهِ إِلى الحَضيضِ قَدَمُه

وَالشِعرُ لا يَسطَيعُهُ مَن يَظلِمُه

يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمُه

وقال أبو نصر المرزباني:

وقال أبونصر المرزباني

الشعراءُ فاعْلَمَنَّ أَرْبَعَهْ

فشاعِرٌ يَجْرِي ولا يُجرَى مَعَه

وشاعرٌ يَخُوضُ وَسْطَ المعمعهْ

وشاعرٌ لا تَشْتَهِي أنْ تَسْمَعَهْ

وشاعرلاتستحي أن تصفعه

وقال:

” أبو عثمان بن بحر الجاحظ ،يا رابع الشعراء كيف هجوتني؟ ،وزعمت أنني مفحم لا أنطق ،هذه مقتطفات وجيزة ، لأقوال بعض أصحاب هذه الصناعة في ماهية الشعر ومفهومه وتعريفه ،تفريقا بينه وبين النثر ، وقد كثر الكلام فيما بينهما وسالت به الأقلام وجفت تلقاءه المحابر ، وقد يستمر النقاش فيه إلى ما لانهاية ، لكن الإزدواجية في كل شيء قد تكون جوابا كافيا على هذه المسألة ، وقد قال تعالى :

” ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ”

فعندما تلبس

” القصيدة ” رداء آخر غير ردائها الموضعي الذي نشأت فيه وتزملت به وفطمت به وشبت عليه،وتنسب إلى غير بني جنسها وجلدتها وتجتث من تربتها بدعوى التطور والحداثة ، ثم تساق هجينة مبثورة بدعوى التطور والإنفتاح والتلاقح ، فذاك ما لا يستسيغه المنطق ،ولا يرضى به الفكر السليم ، ولن يقبله من يعشق الضاد ويذود عن حياضه ،ولا شك ان التطور والتجديد طبيعة حتمية في كل الموجودات ، لكنه يكون في الشيء نفسه من حسن إلى أحسن أوالعكس ، لكن ان يكون التطور ليس من جنس المتطور ،فذاك يأباه التطور نفسه ، إذ الأجناس تختلف وتفرق بينها الأسماء ، والدلائل اللغوية تقتضي

أن لا تتعدى المفردات مدلولاتها إلى غيرها ،فعندما نقول مثلا:

” زيد ” ،فهو ذاك الشخص المسمى زيد بنعته وصفته ، وكذلك ” عمرو ” ، إذ لا يمكن ان يكون زيدٌ عمروا ،لاختلاف طبائعهما وأشكالهما وحتى ألوانهما ، إذن هنا يكمن التصنيف ، ومنه تطل مشكلة أخرى ، وهي إذا كان الشاعر شاعرا ، والناثر ناثرا ،ولكل منهما ميدانه ، فهل نطلق على كاتب ما يسمى ب ” القصيدة النثرية ” شاعرا ام ناثرا ، هذه معضلة أخرى ، كم من المداد يلزمها حتى تسند صفة من الصفتين؟ ، فإلى ذلك الحين نحن في الانتظار لعل إخواننا التجديديين يفاجؤوننا بمنزلة بين المنزلتين..!.

**************.

☆بقلم الشاعر والكاتب:

إبراهيم موساوي

7 /2 /2023.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.